عقوبة شارب الخمر حدية أم تعزيرية

الملخص

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الله تعالى قد كرم الإنسان وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وأنعم عليه بنعم عظيمة، ومن أجل هذه النعم نعمة العقل. قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا نَفْضِيلًا) . (1)

و لما كان العقل مناط التكليف، فقد أمرنا الله عز وجل أن تحافظ على هذه النعمة وعدم المساس بها والحمر تحرم الإنسان من هذه النعمة، فهي أم الخبائث، تصد عن ذكر الله تعالى، وعن الصلاة في وقتها، بالإضافة إلى أنها توقع العداوة والبغضاء بين الأهل والأصحاب، و من خلالها تنطلق الفواحش والشرور التي توقع بصاحبها في نار جهنم، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصْدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ). (2) وقال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمَ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ

من نفعهما) . (3) وقال القرطبي: " إثم الخمر ما يصدر عن الشارب من المخاصمة، والمشاتمة، و قول الفحش والزور، وزوال العقل الذي يعرف به ما يجب لخالقه، وتعطيل الصلوات، والتعوق عن ذكر الله إلى غير ذلك .. (4)

و من أبرز السمات التي تدل على كمال الشريعة الإسلامية، وأنها جاءت المصالح العباد يجلب ما ينفعهم، ودفع ما يضرهم، تنظيمها لأحكام العقوبات، ومن المعلوم أن في العقوبات ردعا للمحرمين؛ لأن الله تعالى شرع بها ما يردع عن العدوان، ويمنع الناس من ظلم بعضهم بعضا، وتعدي بعضهم على بعض، ولا يمكن أن تختفي الرذائل إلا إذا كان لمة زواجر تحمي المجتمع، وتنقي جوهره، و على حسب قوة الرادع في أي دولة يقوى الأمن، وعلى حسب ضعف الرادع يضعف الأمن، وهذا أمر مشاهد محسوس، لذا فقد جاءت الشريعة الإسلامية بحزمة من العقوبات تعرف بالقصاص والحدود والتعازير وقد وقع الاختلاف بين الفقهاء في عقوبة شارب الخمر بين الحد والتعزير