مدى مشروعية استخدام جهاز كشف الكذب في التحقيق الجنائي

إن أهمية الدليل القولي المتمثل في الاعتراف وشهادة الشهود، جعل المحققين عبر مر العصور يلحثون إلى شتى الوسائل للحصول عليه، ولو كان ذلك عن طريق التعذيب كما كان سائدا في العصور الوسطى، حيث كان المتهم يكره على الإدلاء بالاعتراف، وكان الشاهد يجبر غصبا على أداء الشهادة . إلا أن هذه الوسائل التي تجبر الأشخاص على الإدلاء بأقوالهم قد أضحت اليوم وسائل غير مقبولة في الإثبات الجنائي، وان الدليل الذي ينتج عنها يهدر ولا يعول عليه، كما أن العديد من القوانين الجنائية بانت تحرم اللجوء إلى مثل هذه الوسائل التي تحمل في مجملها نوع من الإكراه المادي أو المعنوي . وأمام أهمية الدليل القولي فقد تفنن العقل البشري في استحداث وسائل من شأنها أن تساعد المحققين على الوصول إلى هذا الدليل المتمثل في الاعتراف والشهادة، دون الحاجة إلى استخدام أساليب التعذيب أو الإكراء المتعارف عليها قديماً، ليس هذا فحسب بل أن هذه الوسائل قد تساعد أيضا سلطات التحقيق على معرفة مدى صدق هذه الأقوال، وهذه الوسائل مرتبطة ارتباطا وثيقا بالثورة العلمية والتكنولوجيا الهائلة التي طالت كل مناحي الحياة المعاصرة، ولم تستثني من ذلك المحال الجنائي، الذي كان قد تأثر هو الآخر بهذا التطور الملحوظ.

وإذا كان الدليل الذي تستند عليه المحكمة في حكمها إما دليل مادي أو دليل قولي، فإنه من الملاحظ أن العلم الحديث قد خدم الأدلة المادية خدمة كبرى، مستعينا في ذلك بعلوم الكيمياء، والعلوم الطبية والطب، والتشريح وغيرها من العلوم التي ساعدت سلطات التحقيق في استجلاء الدليل المادي، في حين تجد أن نجاح العلم الحديث في ميدان الدليل القولي كان اقل ظهورا، ويرجع ذلك إلى طبيعة هذا الدليل واستعصاله على وسائل التدقيق العلمي، ولعل أهم محاولة في هذا المجال كانت من نصيب علم النفس الذي اخذ يطبق المبادئ النفسية على شهادة الشهود وأقوال المتهمين واعترافاتهم ليعين على تبين الحقيقة من الزيف.